دين الاسلام

عاقبة التهاون بالمعاصي حين لا يحبك الله

عاقبة التهاون بالمعاصي حين لا يحبك الله
 

العقوبة: نزع البركة ووقوع الآفات

في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بيّن الله بوضوح من يحب ومن لا يحب، فهناك صفات وأفعال يبغضها الله، وأصحابها معرضون لسخطه، ومن هؤلاء من يستحلّ المحرّمات جهارًا، وعلى رأسها الربا والإثم والمعاصي. هؤلاء لم يكتفوا بارتكاب الذنب، بل تجاوزوا ذلك إلى تزيينه، وتقديمه كأمر مباح أو طبيعي، وكأنهم بذلك يتحدّون شرع الله.

استحلال الربا.. حرب مع الله

قال تعالى:
“يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله”
(البقرة: 278-279)

الربا من الكبائر التي توعّد الله أهلها بالحرب، وهي عقوبة لم ترد في أي ذنب آخر بهذا اللفظ، دلالةً على خطورته وشناعته. فكيف بمن يستحلّه ويعتبره نوعًا من التجارة أو الاستثمار؟! إن ذلك يُعدّ تعديًا على حدود الله، ومجاهرة بمعصيته، واستهانة بعقوبته.

الإثم والمعاصي.. خطوات نحو الهلاك

قال الله تعالى:
“إن الله لا يحب من كان خوانًا أثيمًا”
(النساء: 107)

الآثم هو كثير الذنوب، والمتهاون بها، والمجاهر بها أو المستخفّ بها. والمعاصي حين تتكرر دون توبة أو ندم، تُميت القلب، وتفتح باب الشقاء في الدنيا والآخرة. أما إذا تجرأ العبد على استحلالها، كأن يبرر الكذب أو الزنا أو شرب الخمر على أنها حرية شخصية، فذلك جرم مضاعف، ويُعد من أسباب الطمس على القلوب وسلب التوفيق.

نزع البركة.. أولى العقوبات

من أبرز العقوبات التي تصيب من يستحلّ المحرمات أن تُنزع البركة من حياته.
قال النبي ﷺ:
“الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قُلٍّ”
(رواه أحمد)

قد يرى البعض أن أموالهم تزيد، أو أرباحهم تتراكم، لكن الحقيقة أن هذه الزيادة خالية من البركة، ويعقبها زوال أو مصائب متتالية. البركة ليست في الكمّ، بل في النفع والدوام. ومن يعصي الله ويصرّ على المعصية، يُحرم بركة المال، وبركة الوقت، وبركة الذرية، بل حتى راحة القلب.

الآفات والابتلاءات.. عقوبة دنيوية

من يُصرّ على المعاصي، ويجعلها نمط حياة، معرضٌ للآفات والمصائب.
قال الله تعالى:
“ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس”
(الروم: 41)

ما يصيب المجتمعات من أمراض، وكوارث طبيعية، وفساد اقتصادي أو أخلاقي، ما هو إلا نتيجة لتجاوز حدود الله، واستحلال ما حرّم. فالربا والفساد والغش والكذب ليست مجرد أخطاء فردية، بل لها آثار جماعية تؤدي إلى انهيار القيم، وانتشار الظلم، ورفع الحماية الإلهية عن المجتمع.

من لا يحبهم الله

في أكثر من موضع في القرآن، ذكر الله أصنافًا لا يحبهم، ومن أبرزهم:

  • المعتدون: الذين يتجاوزون حدود الله.
  • المجاهرون بالمعصية: الذين لا يستحون من الله، ولا يخفون ذنوبهم.
  • المتكبرون: الذين يُسوّغون المعصية ويُبرّرونها، ويرفضون التوبة.
  • الخائنون: من يخونون الأمانة في المال أو العرض أو الدين.

ومن جمع بين هذه الصفات، وصار يُحلّل الحرام ويُحرّم الحلال وفق أهوائه، فإن الله لا يحبه، وقد يسلبه التوفيق، ويتركه يتخبط في حياته، حتى يفيق أو يُهلك.

رسالة للمسلم العاقل

ما أعظم أن يكون المرء ممن يحبهم الله، وما أشد الخسارة إن كان ممن يبغضهم الله. فالمؤمن الحق لا يُجادل عن الباطل، ولا يُزيّن الحرام، بل يخاف مقام ربه، ويعلم أن من عصى الله معرضٌ لعقوبته في أي لحظة.

فليكن شعارنا: “سمعنا وأطعنا”، لا “إن هي إلا تجارة، أو حرية، أو رأي شخصي”.

كيف نحمي أنفسنا من هذا المصير؟

  • العلم: فمعرفة الحلال والحرام أساس النجاة.
  • التوبة: بابها مفتوح دائمًا، والله يحب التوابين.
  • الاستغفار: يُطهّر القلب ويجلب البركة.
  • البعد عن المجاهرة: من وقع في ذنب، فليستتر وليتب، لا أن يُجاهر ويُدافع.
  • الصحبة الصالحة: تعين على الثبات والتذكير بالطريق المستقيم.

خاتمة

من يستحلّ الحرام، ويُزين المعاصي، ليس فقط يُضلّ نفسه، بل قد يكون سببًا في إضلال غيره، وتحقيق الوعيد الإلهي على من يجاهر ويصرّ. فلنتقِ الله، ولنُراجع أنفسنا، ولنعلم أن حبّ الله لا يُنال بالأماني، بل بالطاعة والتوبة والخضوع لأمره.

فـ “لا يحبهم الله” ليست عبارة عابرة، بل وصف خطير يدل على بعد عن الرحمة والقبول. فلنحرص أن نكون من المحبوبين عند الله، لا من المبغوضين.

السابق
العشر الأواخر من رمضان أيام مباركة وكنوز إيمانية
التالي
العين المجردة على موعد مع مشهد سماوي نادر انفجار نجمي يقترب