في مشهدٍ يعيد مشاهد من عنفها المخطط، تواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة دون توقف، مستهدفة المدنيين والمباني الأساسية، مع رفعها لسقف تهديداتها بضم أجزاءٍ من الأراضي الفلسطينية. وراء هذه التصريحات المُزعجة تقف أرقامٌ مفزعة: آلاف القتلى، نزوحٌ واسع، ومجاعة تلوح في الأفق.
إستراتيجية التوسع
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس؛ خطوةً خطيرة، وهي توسيع عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، رابطًا ذلك بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وتزامن تصريحه مع تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي نحو بلدة بيت لاهيا شمالًا ومدينة رفح جنوبًا، ضمن محاولتهم للسيطرة على “ممر نتساريم” الإستراتيجي، مما يهدد بتقسيم القطاع جغرافيًا وسكانيًا.
ولا تقتصر الخطط الإسرائيلية على العمليات العسكرية؛ بل تمتد إلى نية إنشاء “مناطق عازلة” دائمة داخل غزة، بحسب تصريحات كاتس. مراقبون يشيرون إلى أن هذه المناطق ستُحوّل أجزاءً من القطاع إلى مناطق عسكرية مغلقة، ترسخ الاحتلال وتعوق أي جهود لإعادة الإعمار. والتهديدات الإسرائيلية تمس أيضًا حدود التهجير القسري، مع نزوح 124 ألف فلسطيني خلال أيام، وفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
تداعيات إنسانية
“الوضع كارثي.. لا نعرف متى نصبح تحت الأنقاض”، بهذه الكلمات لخص أمجد الشوا؛ رئيس شبكة المنظمات غير الحكومية في غزة، حجم المعاناة اليومية. الأرقام الرسمية تسجل مقتل 504 فلسطينيين خلال 72 ساعة، بينما تحذر الأمم المتحدة من نفاذ المخزون الغذائي خلال أسبوع، والقصف الإسرائيلي طال حتى مقار الأمم المتحدة، حيث قتل موظف دولي بقذيفة دبابة، بحسب تحقيقات أولية.
ورغم الوحشية المتصاعدة، تظل المواقف الدولية مترددة. البيت الأبيض جدد تأكيد دعمه لإسرائيل، متجاهلاً انتهاكات القانون الدولي. في المقابل، تواجه المقترحات الدبلوماسية -مثل خطة الهدنة الأمريكية- تعطيلًا إسرائيليًا، إذ ترفض تل أبيب التفاوض على إنهاء الحرب أو سحب قواتها، بينما تركز على صفقة رهائن مجزأة.
أزمات داخلية
وردت حركة حماس على التصعيد بإطلاق صواريخ نحو تل أبيب، في خطوة رمزية تُظهر قدرتها العسكرية رغم الحصار. الحركة تدرس المقترحات الدولية، لكنها تشترط ضمانات بوقف دائم للعدوان. في غضون ذلك، تتصاعد الانتقادات الداخلية ضد نتنياهو، الذي يتهمه محتجون إسرائيليون باستخدام الحرب لإنقاذ مستقبله السياسي.
والمشهد الإسرائيلي الداخلي لا يقل اضطرابًا: المحكمة العليا تعلق فصل رئيس “الشاباك”، وتقرير أمني يحمّل نتنياهو مسؤولية فشل 7 أكتوبر. هذه التطورات تضعف موقف الحكومة، لكنها لا تغير من سياستها تجاه غزة، حيث تواصل حربها تحت شعار “القضاء على حماس”، رغم الأدلة المتكررة على استحالة تحقيق هذا الهدف عسكريًا.
وبينما تدير إسرائيل ظهرها لكل الحلول السياسية، وتتعمد تحويل غزة إلى أرض محترقة، تُطرح أسئلة مصيرية: هل تنجح الضغوط الدولية في كسر دائرة العنف؟ أم أن المنطقة مقبلة على حرب وجود طويلة الأمد، تهدد بانهيار كامل للقضية الفلسطينية؟